فصل: ما كان يضرب في خميس العدس من خراريب الذهب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 ما كان يضرب في خميس العدس من خراريب الذهب

قال ابن المأمون‏:‏ وأحضر الأجل المأمون كاتب الدفتر وأمره بالكشف عما كان يضرب برسم خميس العدس من الخراريب الذهب وهو خمسمائة دينار عن عشرين ألف خروبة واستدعى كاتب بيت المال ووقع له بإطلاق ألف دينار وأمره بإحضار مشارف دار الضرب وسلمها إليه فاعتمد ذلك وضربت عشرون ألف خروبة وأحصرها فأمر بحملها إلى الخليفة فسير الخليفة منها إلى المأمون ثلثمائة دينار وذكر أنها لم تضرب في مدة خلافة الحافظ لدين الله غير سنة واحدة ثم بطل حكمها ونسي ذكرها‏.‏

قال‏:‏ وصار ما يضرب باسم الخليفة يعني الآمر بأحكام الله في ستة مواضع‏:‏ القاهرة ومصر وقوص وعسقلان وصور والإسكندرية‏.‏

وقال ابن عبد الظاهر‏:‏ خميس العدس كان يضرب فيه خمسمائة تعمل عشرة آلاف خروبة كان الأفضل بن أمير الجيوش يحمل منها للخليفة مائتي دينار والبقية برسمه ثم جعلت في الأيام المأمونية ألف دينار وربما زادت أو نقصت يسيرًا وقد تقدم أن قاضي القضاة كان يتولى دار الوكالة الآمرين كانت دار الوكالة المذكورة بجانب دار الضرب وموضعها الآن على يمنة السالك من رأس الخراطين إلى سوق الخيميين والجامع الأزهر‏.‏

قال ابن المأمون‏:‏ يف شوال سنة ست عشرة وخمسمائة ثم أنشأ يعني المأمون بن البطائحي وزير الخليفة الآمر بأحكام الله دار الوكالة بالقاهرة المحروسة لمن يصل من العراقيين والشاميين وغيرهما من التجار ولم يسبق إلى ذلك‏.‏

مصلى العيد وكان في شرقي القصر الكبير مصلى العيد من خارج باب النصر وهذا المصلى بناه القائد جوهر لأجل صلاة العيد في شهر رمضان سنة‏:‏ ثمان وخمسين وثلثمائة ثم جدده العزيز بالله وبقي بقي إلى الآن بعض هذا المصلى واتخذ في جانب منه موضع مصلى الأموات اليوم‏.‏

ذكر هيئة صلاة العيد وما يتعلق بها قال ابن زولاق‏:‏ وركب المعز لدين الله يوم الفطر لصلاة العيد إلى مصلى القاهرة التي بناها القائد جوهر وكان محمد بن أحمد بن الأدرع الحسني قد بكر وجلس في المصلى تحت القبة في موضع فجاء الخدم وأقاموه وأقعدوا موضعه أبا جعفر مسلمًا وأقعدوه هو دونه وكان أبو جعفر مسلم خلف المعز عن يمينه وهو يصلي وأقبل المعز في زيه وبنوده وقبابه وصلى بالناس صلاة العيد تامة طويلة قرأ في الأولى بأم الكتاب وخل أتاك حديث الغاشية ثم كبر بعد القراءة وركع فأطال وسجد فأطال أنا سبحت خلفه في كل ركعة وفي كل سجدة نيفًا وثلاثين تسبيحة‏.‏

وكان القاضي النعمان بن محمد يبلغ عنه التكبير وقرأ في الثانية بأم الكتاب وسورة والضحى ثم كبر أيضًا بعد القراءة وهي صلاة جده علي بن أبي طالب عليه السلام وأطال أيضًا في الثانية الركوع والسجود أنا سبحت خلفه نيفًا وثلاثين تسبيحة في كل ركعة وفي كل سجدة وجهر ببسم الله الرحمين الرحيم في كل سورة وأنكر جماعات يتوسمون بالعلم قراءة قبل التكبير لقلة علمهم وتقصيرهم في العلوم‏.‏

حدثنا محمد بن أحمد قال‏:‏ حدثنا عمر بن شيبة ثنا عبد الله ورجاء عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارق عن علي عليه السلام‏:‏ أنه كان يقرأ في صلاة العيد قبل التكبير فلما فرغ المعز من الصلاة صعد المنبر وسلم على الناس يمينًا وشمالًا ثم ستر بالسترين اللذين كانا على المنبر فخطب وراءهما على رسمه وكان في أعلى درجة من المنبر وسادة ديباج مثقل فجلس عليها بين الخطبتين واستفتح الخطبة‏:‏ ببسم الله الرحمن الرحيم وكان معه على المنبر القائد جوهر وعمار بن جعفر وشفيع صاحب المظلة ثم قال‏:‏ الله أكبر الله أكبر واستفتح بذلك وخطب وأبلغ وأبكى الناس وكانت خطبة بخشوع وخضوع فلما فرغ من خطبته انصرف في عساكره وخلفه أولاده الأربعة بالجواشن والخوذ على الخيل بأحسن زي وساروا بين يديه بالفيلين فلما حضر في قصره أحضر الناس فأكلوا وقدمت إليهم السمط ونشطهم إلى الطعام وعتب على من تأخر وهدد من بلغه عنه صيام العيد‏.‏

وقال المسبحي في حوادث آخر يوم من رمضان‏:‏ سنة ثمانين وثلثمائة وبقيت مصاطب ما بين القصور والمصلى الجديدة ظاهر بابا النصر عليها المؤذنون حتى يتصل التكبير من المصلى إلى القصر وفيه تقدم أمر القاضي محمد بن النعمان بإحضار المتفقهة والمؤمنين يعني الشيعة وأمرهم بالجلوس يوم العيد على هذه المصاطب ولم يزل يرتب الناس وكتب رقاعًا فيها أسماء الناس فكانت تخرج رقعة رقعة فيجلس الناس على مصطبة مصطبة بالترتيب‏.‏

وفي يوم العيد‏:‏ ركب العزيز بالله لصلاة العيد وبين يديه الجنائب والقباب الديباج بالحلي والعسكر في زيه من الأتراك والديلم والعزيزية والإخشيدية والكافورية وأهل العراق بالديباج المثقل والسيوف والمناطق الذهب وعلى الجنائب السروج الذهب بالجوهر والسروج بالعنبر وبين يديه الفيلة عليها الرجالة بالسلاح والزراقة وخرج بالمظلة الثقيلة بالجوهر وبيده قضيب جده عليه السلام فصلى على رسمه وانصرف‏.‏

وقال ابن المأمون‏:‏ ولما توفي أمير الجيوش بدر الجمالي وانتقل الأمر إلى ولده‏:‏ الأفضل بن أمير الجيوش جرى على سنن والده في صلاة العيد ويقف في قوس باب داره الذي عند باب النصر يعني‏:‏ دار الوزارة فلما سكن بمصر صار يطلع من مصر باكرًا ويقف على باب داره على الحالة الأولى حتى تستحق الصلاة فيدخل من باب العيد إلى الإيوان ويصلي به القاضي ابن الرسعني ثم يجلس بعد الصلاة على المرتبة إلى أن تنقضي الخطبة فيدخل من باب الملك ويسلم على الخليفة بحيث لا يراه أحد غيره ثم يخلع عليه ويتوجه من باب الملك ويسلم على الخليفة بحيث لا يراه أحد غيره ثم يخلع عليه ويتوجه إلى داره بمصر فيكون السماط بها مدى الأعياد فلما قتل الأفضل واستقر بعده المأمون بن البطائحي في الوزارة قال‏:‏ هذا نقص في حق العيد ولا يعلم السبب في كون الخليفة لا يظهر فقال له الخليفة الآمر بأحكام الله‏:‏ فما تراه أنت فقال‏:‏ يجلس مولانا في المنظرة التي استجدت بين باب الذهب وباب البحر فإذا جلس مولانا في المنظرة وفتحت الطاقات وقف المملوك بين يديه في قوس باب الذهب وتجوز العساكر فارسها وراجلها وتشملها بركة نظر مولانًا إليها فإذا حان وقت الصلاة توجه المملوك بالموكب والزي وجميع الأمراء والأجناد واجتاز بأبواب القصر ودخل الإيوان فاستحسن ذلك منه واستصوب رأيه وبالغ في شكره ثم عاد المأمون إلى مجلسه وأمر بتفرقة كسوة العيد والهبات يعني في عيد النحر سنة خمس عشرة وخمسمائة وجملة العين‏:‏ ثلاثة آلاف وثلثمائة دينار وسبعة دنانير ومن الكسوات‏:‏ مائة قطعة وسبع قطع برسم الأمراء المطوقين والأستاذين المحنكين وكاتب الدست ومتولي حجبة الباب وغيرهم‏.‏

قال‏:‏ ووصلت الكسوة المختصة بالعيد في آخر شهر رمضان يعني من سنة ست عشرة وخمسمائة وهي تشتمل على دون العشرين ألف دينار وهو عندهم الموسم الكبير ويسمى بعيد الحلل لأن الحلل فيه تعم الجماعة وفي غيره للأعيان خاصة وقد تقدم تفصيلها عند ذكر خزانة الكسوة من هذا الكتاب‏.‏

قال‏:‏ ولما كان في التاسع والعشرين من شهر رمضان خرجت الأوامر بأضعاف ما هو مستقر للمقرئين والمؤذنين في كل ليلة برسم السحور بحكم أنها ليلة ختم الشهر وحضر المأمون في آخر النهار إلى القصر للفطور مع الخليفة والحضور على الأسمطة على العادة وحضر إخوته وعمومته وجميع الجلساء وحضر المقرئون والمؤذنون وسلموا على عادتهم وجلسهوا تحت الروشن وحمل من عند معظم الجهات والسيدات والمميزات من أهل القصور بلاحي وموكبيات مملوءة ماء ملفوفة في عراضي ديبقي وجعلت أمام المذكورين ليشملها بركة ختم القرآن واستفتح المقرئون من الحمد إلى خاتمة القرآن تلاوة وتطريبًا ثم وقف بعد ذلك من خطب فأسمع ودعا فأبلغ ورفع الفراشون ما أعدوه برسم الجهات ثم كبر المؤذنون وهللوا وأخذوا في الصوفيات إلى أن نثر عليهم من الروشن دراهم ودنانير ورباعيات وقدمت جفان القطائف على الرسم مع الحلوى فجروا على دعاتهم وملأوا أكمامهم ثم خرج أستاذ من باب الدار الجليلة بخلع خلعها على الخطيب وغيره ودراهم تفرق على الطائفتين المقرئين والمؤذنين ورسم أن تحمل الفطرة إلى قاعة الذهب وأن تكون التعبية في مجلس الملك وتعبى الطيافير المشورة الكبار من السرير إلى باب المجلس وتعبى من باب المجلس إلى ثلثي القاعة سماطًا واحدًا مثل سماط الطعام ويكون جميعه سدًا واحدًا من حلاوة الموسم ويزين بالقطع المنفوخ فامتثل الأمر وحضر الخليفة إلى الإيوان واستدعى المأمون وأولاده وإخوته وعرضت المظال المذهبة المحاومة وكان المقرئون يلوحون عند ذكرها بالآيات التي في صورة النحل والله جعل لكم مما خلق ظلالها إلى آخرها‏.‏

وجلس الخليفة ورفعت الستور واستفتح المقرئون وجدد المأمون السلام عليه وجلس على المرتبة عن يمينه وسلم الأمراء جميعهم على حكم منازلهم لا يتعدى أحد منهم مكانه والنواب جميعهم يستدعونهم بنعوتهم وترتيب وقوفهم وسلم الرسل الواصلون من جميع الأقاليم ووقفوا في آخر الإيوان وختم المقرئون وسلموا وخدمت الرهجية وتقدم متولي كل اصطبل من الرواض وغيرهم يقبل الأرض ويقف ودخلت الدواب من باب الديلم والمستخدمون في الركاب بالمناديل يتسلمونها من الشدادين ويدورون بها حول الإيوان ودواب المظلة متميزة عن غيرها يتسلمها الأستاذون والمستخدمون في الركاب ويعلون بها إلى قرب من الشباك الذي فيه الخليفة وكلما عرض دواب اصطبل قبل الأرض متوليه‏.‏

وانصرف‏.‏

وتقدم متولي غيره على حكمه إلى أن يعرض جميع ما أحضروه وهو ما يزيد على ألف فارس خارجًا عن البغال وما تأخر من العشاريات والجحور والمهارة ولما عرضت الدواب أبطلت الرهجية وعاد استفتاح المقرئين وكانوا محسنين فيما ينتزعونه من القرآن الكريم مما يوافق الحال مثل الآية من آل عمران‏:‏ ‏"‏ زوين للناس حب الشهوات ‏"‏ إلى آخرها ثم بعدها‏:‏ ‏"‏ قل الله مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ‏"‏ إلى آخرها‏.‏

وعرضت الوحوش بالأجلة الديباج والديبقي بقباب الذهب والمناطق والأدلة وبعدها النجب والبخاتي بالأقتاب الملبسة بالديبقي المولن المرقوم وعرض السلاح وآلات الموكب جميعها ونصبت الكسوات على باب العيد وضربت طول الليل وحملت الفطرة الخاص التي يفطر عليها الخليفة بأصناف الجوارشات بالمسك والعود والكافور والزعفران والتمور المصبغة التي يستخرج ما فيها وتحشى بالطيب وغيره وتسد وتختم وسلمت للسمتخدمين في القصور وعبيت في مواعين الذهب المكللة بالجواهر وخرجت الأعلام والبنود‏.‏

وركب المأمون فلما حصل بقاعة الذهب أخذ في مشاهدة السماط من سرير الملك إلى آخرها وخرج الخليفة لوقته من الباذهنج وطلع إلى سرير ملكه وبين يديه الصواني المقدم ذكرها واستدعى بالمأمون فجلس عن يمينه بعد أداء حق السلام وأمر بإحضار الأمراء المميزين والقاضي والداعي والضيوف وسلم كل منهم على حكم ميزته وقدمت الرسل وشرفوا بتقبيل الأرض والمقرئون يتلون والمؤذنون يهللون ويكبرون وكشفت القوارات الشرب المذهبات عما هو بين يدي الخليفة فبدأ وكبر وأخذ بيده تمرة فأفطر عليها وناول مثلها الوزير فأظهر الفطر عليها وأخذ الخليفة في أن يستعمل من يجمع ما حضر ويناول وزيره منه وهو يقبله ويجعله في كمه وتقدمت الأجلاء إخوة الوزير وأولاده من تحت السرير وهو يناولهم من يده فيجعلونه في أكمامهم بعد تقبيله وأخذ كل من الحاضرين كذلك ويومئ بالفطور ويجعله في كمه على سبيل البركة فمن كان رأيه الفطور أفطر ومن لم يكن رأيه أومأ وجعله في كمه لا ينتقد على أحد فعله‏.‏

ثم قال المأمون بعد ذلك‏:‏ ما على من يأخذ من هذا المكان نقيصة بل له به الشرف والميزة ومد يده وأخذ من الطيفور الذي كان بين يديه عود نبات وجعله في كمه بعد تقبيله وأشار إلى الأمراء فاعتمد كل من الحاضرين ذلك وملأوا أكمامهم ودخل الناس فأخذوا جميع ذلك ثم خرج الوزير إلى داره والجماعة في ركابه فوجد العبيه فيها من صدر المجلس إلى آخره على ما أمر به ولم يعدم مما كان بالقصر غير الصواني الخاص فجلس على مرتبته والأجلاء أولاده واستدعى بالعوالي من الأمراء والقاضي والداعي والضيوف فحضروا وشرفوا بجلوسهم معه وحصل من مسرتهم بذلك ما بسطهم ورفعوا اليسير مما حضر على سبيل الشرف ثم انصرفوا وحضرت الطوائف والرسل على طبقاتهم إلى حمل جميع ما كان بالدار بأسره وانقضى حكم الفطور‏.‏

وعاد للتنفيذ في غيره وضربت الطبول والأبواق على أبواب القصور والدار المأمونية وأحضرت التغايير وفرقت على أربابها من الأجناد والمستخدمين وخرجت أزمة العساكر فارسها وراجلها وندب الحاجب الذي بيده الدعوة لترتيب صفوفها من باب القصر إلى المصلى ثم حضر إلى الدار المأمونية الشيوخ المميزون وجلس المأمون في مجلسه وأولاده بهيئة العيد وزينته ورفعت الستور وابتدأ المقرئون وسلم متولي الباب والشيوخ ولم يدخل المجلس غير كاتب الدست ومتولي الحجبة وبالغ كل منهما في زيه وملبوسه وجروا على رمسهم في تقبيل الأرض وعتبة المجلس ووصل إلى الدار المأمونية التجمل الخاص الذي برسم الخليفة جميعه القصب الفضة والأعلام والمنجوقات والعقبات والعماريات ولواءا الوزارة لركوب الخليفة بالمظلة بالطميم والمراكيب الذهب المرصعة بالجواهر وغير ذلك من التجملات‏.‏

وركب المأمون من داره وجميع التشاريف الخاص بين يديه وخدمت الرهجية ومن جملتهم الغربية وهي أبواق لطاف عجيبة غريبة الشكل تضرب كل وقت يركب فيه الخليفة ولا تضرب قدام الوزير إلا في المواسم خاصة وفي وأيام الخلع عليه والأمراء مصطفون عن يمينه وعن شماله ويليهم إخوته وبعدهم أولاده ودخل إلى الإيوان وجلس على المرتبة المختصة به وعن يمينه جميع الأجلاء والمميزون وقوف أمامه ومن انحط عنهم من باب الملك إلى الإيوان قيام ويخرج خاصة الدولة ريحان إلى المصلى بالفرش الخاص وآلات الصلاة وعلق المحراب بالشروب المذهبة وفرش فيه ثلاث سجادات متراكبة وأعلاها السجادة اللطيفة التي كانت عندهم عمظمة وهي قطعة من حصير ذكر أنها من جملة حصير‏:‏ لجعفر بن محمد الصادق عليهما السلام ويصلي عليها وفرش الأرض جميعها بالحصر المحاريب ثم علق على جانبي المنبر وفرش جميع درجه وجعل أعلاه المخاد التي يجلس عليها الخليفة وعلق اللواءان عليه وقعد ولم يفتح من أبوابه إلا باب واحد وهو الذي يدخل منه الخليفة ويقعد الداعي في الدهليز ونقباء المؤمنين بين يديه وكذلك الأمراء والأشراف والشيوخ والشهود ومن سواهم من ارباب الحرف ولا يمكن من الدخول إلا من يعرفه الداعي ويكون في ضمانه واستفتحت الصلاة وأقبل الخليفة من قصوره بغاية زيه والعلم الجوهر في منديله وقضيب الملك بيده وبنو عمه وإخوته وأستاذوه في ركابه وتلقاء المقرئون عند وصوله والخواص واستدعى بالمأمون فتقدم بمفرده وقبل الأرض وأخذ السيف والرمح من مقدمي خزائن الكسوة والرهجية تخدم وحمل لواء الحمد بين يديه إلى أن خرج من باب العيد فوجد المظلة قد نشرت عن يمينه والذي بيده المدعو في ترتيب الحجبة لمن شرف بها لا يتعدى أحد حكمه وسائر المواكب بالجنائب الخاص وخيل التخافيف ومصفات العساكر والطوائف جميعها بزيها وراياتها وراء الموكب إلى أن وصل إلى قريب المصلى والعماريات والزرافات وقد شد على الفيلة بالأسرة مملوءة رجالًا مشيكة بالسلاح لا يتبين منهم إلا الأحداث وبأيديهم السيوف المجردة والدرق الحديد الصيني والعساكر قد اجتمعت وترادفت صفوفًا من الجانبين إلى باب المصلى والنظارة قد ملأت الفضاء لمشاهدة ما لم يبلغوه والموكب سائر بهم وقد أحاط بالخليفة والوزير صبيان الخاص وبعدهم الأجناد بالدروع المسبلة والزرديات بالمغافر ملثمة والبروك الحديد بالصماصم ولما طلع الموكب من ربوة المصلى ترجل متولي الباب والحجاب ووقف الخليفة بجمعه بالمظلة إلى أن اجتاز المأمون راكبًا بمن حول ركابه ورد الخليفة السلام عليه بكمه وصار أمامه وترجل الأمراء المميزون والأستاذون المحنكون بعدهم وجميع الأجلاء وصار كل منهم يبدأ بالسلام على الوزير ثم على الخليفة إلى أن صار الجميع في ركابه ولم يدخل من باب المصلى راكبًا غير الوزير خاصة ثم ترجل على بابه الثاني إلى أن وصل الخليفة إليه فاستدعى به سلم وأخذ الشكيمة بيده إلى أن ترجل الخليفة في الدهليز الآخر وقصد المحراب والمؤذنون يكبرون قدامه واستفتح الخليفة في المحراب وسامته فيه‏:‏ وزيره والقاضي والداعي عن يمينه وشماله ليوصلوا التكبير لجماعة المؤذينين من الجانبين ويتصل منهم التكبير إلى مؤذني مصلى الرجال والنساء الخارجين عن المصلى الكبير وكاتب الدست وأهله ومتولي ديوان الإنشاء يصلون تحت عقد المنبر ولا يمكن غيرهم أن يكون معهم‏.‏

ولما قضى الخليفة الصلاة وهي ركعتان قرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وهل أتاك حديث الغاشية وكبر سبع تكبيرات وركع وسجد وفي الثانية بالفاتحة وسورة والشمس وضحاها وكبر خمس تكبيرات وهذه سنة الجميع ومن ينوب عنهم في صلاة العيدين على الاستمرار وسلم وخرج من المحراب وعطف عن يمينه والحرص عليه شديد ولا يصل إليه إلا من كان خصيصًا به وصعد المنبر بالخشوع والسكينة وجميع من بالمصلى والتربة لا يسأم نظره ويكثرون من الدعاء له ولما حصل في أعلى المنبر أشار إلى المأمون فقبل الأرض وسارع في الطلوع إليه وأدى ما يجب من سلامه وتعظيم مقامه ووقف بأعلى درجة وأشار إلى القاضي فتقدم وقبل كل درجة إلى أن يصل إلى الدرجة الثالثة وقف عندها وأخرج الدعو من كمه وقبله ووضعه على رأسه وأعلى بما تضمنه وهو ما جرت به العادة من تسمية يوم العيد وسنته والدعاء للدولة‏.‏

وكانت الحال في أيام وزراء الأقلام والسيوف إذا حصل الخليفة في أعلى المنبر بقي الوزير مع غيره وأشار الخليفة إلى القاضي فيقبل الأرض ويطلع إلى الدرجة الثالث ويخرج الدعو من كمه ويقبله ويضعه على رأسه ويذكر يوم العيد وسنته والدعاء للدولة ثم يستدعي بالوزير بعد ذلك فيصعد بعد القاضي فراعى الخليفة ذلك الأمر في حق الوزير فجعل الإشارة منه إليه أولًا ورفعه عن أن يكون مأمورًا مثل غيره وجعلها له ميزة على غيره ممن تقدمه واستمرت فيما بعد واستفتح الخليفة بالتكبير الجاري به العادة في الفطر والخطبتين إلى آخرهما وكبر المؤذنون ورفع اللواءان وترجل كل أحد من موضعه كما كان ركوبه وصار الجميع في ركاب الخليفة وجرى الأمر في رجوعه على ما تقدم شرحه ومضى إلى تربة آبائه وهي سنتهم في وأما الوزير المأمون فإنه توجه وخرج من باب العيد والأمراء بين يديه إلى أن وصل إلى باب الذهب فدخل منه بعد أن أمر ولده الأكبر بالوصول إلى داره والجلوس على سماط العيد على عادته ولما دخل المأمون بقاعة الذهب وجد السروع قد وقع من المستخدمين بتعبية السماط فأمر بتفرقة الرسوم على أربابها وهو ما يحمل إلى مجلس الوزارة برسم الحاشية ولكل من حاشية أولاده وإخوته وكاتب الدست ومتولي حجبة الباب ومتولي الديوان وكاتب الدفتر والنائب لكل منهم رسم يصرف قبل جلوس الخليفة وعند انقضاء الأسمطة لغير المذكورين على قدر منزلة كل منهم ثم حضر أبو الفضائل ابن أبي الليث واستأذن على طيافير الفطرة الكبار التي في مجلس الخليفة فأمره الوزير بأن يعتمد في تفرقتها على ما كان يعتمده في الأيام الأفضلية وهو لكل من يصعد المنبر مع الخليفة طيفور‏.‏

فلما أخذ الخليفة راحة بعد مضيه إلى التربة جلس على السرير وبين يديه المائدة اللطيفة الذهب بالمينا معبأ بالزبادي الذهب واستدعى الوزير واصطف الناس من المدورة إلى آخر السماط من الجانبين على طبقاتهم ورفعت الستو واستفتح المقرئون ووفي الدولة إسعاف متولي المائدة مشدود الوسط ومقدم خزانة الشراب بيده شربة في مرفع ذهب وغطاء مرصعين بالجوهر والياقوت ومتولي خزائن الإنفاق بيده خريطة مملوءة دنانير لمن يقف يطلب صدقة وإنعامًا فيؤمر بما يدفع إليه وتفرقة الرسوم الجاري بها العادة ولعبت المنافقون والتحسارية وتناوب القراء والمنشدون وأرخيت الستور وعبئ السماط ثانيًا على ما كان عليه أولًا‏.‏

ثم رفعت الستور وجلس على المدورة والسماط من جرت العبادة به وفرقت الدنانير على المقرئين والمنشدين والتحسارية والمنافقين ومن هو معروف بكثرة الأكل ونهبت قصور الخلافة وفرق من الأصناف ما جرت به العادة وأرخيت الستور وأحرض متولي خزانة الكسوة الخاص للخليفة‏:‏ بدلة إلى أعلى السرير حسبما كان أمره فلبسها وخلع الثياب التي كانت عليه على الوزير بعدما بالغ في شكره والثناء عليه وتوجه إلى داره فوصل إليه من الخليفة الصواني الخاص المكللة معبأة على ما كانت بين يديه وغيرها من الموائد وكذلك إلى أولاده وإخوته صينية صينية ولكاتب الدست ومتولي حجبة الباب مثل ذلك ويكبر الوزير بجلوسه في داره معلنًا وتسارع الناس على طبقاتهم بالعيد والخلع وبما جرى في صعود المنبر وحضر الشعراء وأسنيت لهم الجوائز وجرى الحال يومئذ في جلوس الخليفة وفي السلام لجميع الشيوخ والقضاة والشهود والأمراء والكتاب ومقدمي الركاب والمتصدرين بالجوامع والفقهاء والقاهريين والمصريين واليهود برئيسهم والنصارى ببطريقهم على ما جرت به عادتهم وختم المقرئون وقدمت الشعراء على طبقاتهم إلى آخرهم وجدد لكل من الحاضرين سلامه وانكفأ الخليفة إلى الباذهنج لأداء فريضة الصلاة والراحة بمقدار ما عبيت المائة الخاص واستحضر المأمون وأولاده وإخوته على عادتهم واستدعى من شرف بحضور المائدة وهم الشيخ أبو الحسن كاتب الدست وأبو الرضى سالم ابنه ومتولى حجبة الباب وظهير الدين الكناني على ما كان عليه الحال قبل الصيام وانقضى حكم العيد‏.‏